يرصد الصحفيان أليكس كروفت ونضال حمدونة صورة قاتمة لغزة بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، حيث تكشف شهادات الفلسطينيين أن العنف لم يتوقف، وأن الحياة اليومية ما زالت محكومة بالخوف والفقد. يوضح الكاتبان أن الهدنة التي رُوِّج لها بوصفها نهاية للحرب لم تغيّر واقع الدمار المستمر ولا نزيف الأرواح.

 

تنشر صحيفة الإندبندنت هذا التقرير الميداني، مستندة إلى شهادات مباشرة من سكان القطاع وبيانات صادرة عن وزارة الصحة في غزة، لتفكيك الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع الإنساني على الأرض.

 

هدنة بلا أمان: القتل مستمر بعد الإعلان

 

يعبّر الطبيب جابر العطار، البالغ 51 عامًا والمقيم في شمال غزة، عن فرحته الأولى بخبر وقف إطلاق النار بعد عامين من القصف المتواصل. لكن الفرح لم يدم طويلًا، إذ تلقّى اتصالًا أثناء توجهه إلى عمله في مستشفى العودة بالنصيرات يخبره بمقتل ابنته ميساء، بعدما أصابتها طائرة مسيّرة إسرائيلية وهي تحتمي داخل خيمة.

 

يقول جابر إن الأمان غائب تمامًا، وإن الأمل في الاستقرار غير موجود. تضيف وزارة الصحة في غزة أن القصف وإطلاق النار أسفرا عن مقتل ما لا يقل عن 410 فلسطينيين منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر، إلى جانب إصابة أكثر من 1,100 شخص. في المقابل، تعلن إسرائيل مقتل ثلاثة من جنودها، إضافة إلى مقتل شخصين في هجوم داخل شمال إسرائيل.

 

«الخط الأصفر» وحدود متحرّكة للموت

 

تسجّل ليلة 29 أكتوبر أكثر الليالي دموية خلال فترة الهدنة، إذ يقتل القصف الإسرائيلي ما لا يقل عن 109 فلسطينيين خلال ساعات. يبرّر الجيش الإسرائيلي الهجوم بالرد على مقتل جندي إسرائيلي، بينما تنفي حماس أي صلة لها بالحادث.

 

يتحدّث سكان غزة عن «الخط الأصفر»، وهو الحدّ الذي تعهّدت إسرائيل بالانسحاب منه، لكنهم يؤكدون أن موقعه يتغيّر باستمرار، ما يعرّض المدنيين لخطر دائم. يقتل القصف عشرات الفلسطينيين، بينهم أطفال، بعد تجاوزهم هذا الخط بحثًا عن الحطب أو المأوى.

 

في حادثة صادمة، يقتل قصف بطائرة مسيّرة طفلين، فادي (8 أعوام) وجمعة (11 عامًا)، أثناء جمعهما الحطب لوالدهما المقعد قرب مدرسة تؤوي نازحين في بني سهيلا. يصف الجيش الإسرائيلي الطفلين بأنهما «مشتبه بهما»، بينما يرى الأهالي أن الحادثة تختصر واقع الهدنة الهشّة.

 

معاناة نفسية وإنسانية بلا نهاية

 

تتفاقم معاناة السكان مع استمرار شحّ المساعدات، إذ تحذّر المنظمات الإنسانية من دخول كميات أقل بكثير من الاحتياجات الأساسية. يؤكد جابر العطار أن حالته النفسية تدهورت بعد مقتل ابنته، وأن وزنه انخفض بشكل حاد، بعدما خسر منازله الثلاثة وأصبح يعيش داخل خيمة.

 

يروي الصحفي الحر عماد أبو شويش، البالغ 38 عامًا، تفاصيل هجوم جوي في النصيرات يوم 22 نوفمبر، أدى إلى مقتل 11 فردًا من عائلته، بينهم سبعة أطفال. ينجو فرد واحد فقط، الفتاة باتول (19 عامًا)، التي ينتشلها عماد بيديه من تحت الركام. يصف عماد الصدمة العميقة التي يعيشها، والخوف الدائم من عودة الحرب في أي لحظة، والحاجة الملحّة للعلاج النفسي.

 

تتفاقم الأوضاع مع الطقس الشتوي القاسي، حيث تمزّق الأمطار والرياح خيام مئات الآلاف من النازحين. يشتكي عبد المنعم الزين، وهو نازح في خان يونس، من غرق الخيام ونقص البطانيات. يستعيد ذكرياته عن شقيقه أمين، الذي قُتل بعد أقل من ثلاثة أسابيع على الهدنة أثناء بحثه عن مأوى داخل مدرسة في وسط المدينة.

 

في ختام التقرير، يبرز تناقض الروايات؛ إذ تؤكد إسرائيل التزامها بوقف إطلاق النار، بينما تتهم حماس بخرقه المتكرر، في حين يصرّ الفلسطينيون على أن معاناتهم اليومية تشهد بأن الهدنة لم تجلب السلام، بل أبقت غزة عالقة في مأساة مفتوحة بلا أفق واضح.

https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/gaza-israel-palestinians-ceasefire-families-killed-b2887779.html